وحوالي الساعة العاشرة من ليلة الخميس التاسع من أبريل 2015 في المطار العسكري "بالتيمور" قرب مدينة "فورونيج" في روسيا الاتحادية كانت الخطوات تجري بسرعة على قدم وساق لتنفيذ مهمّة صعبة بإرسال طائرتين لإنقاذ زعيم الانقلاب؛ لأنه كان حليفهم بشكل سري، وكان يقوم بدعم مصالح روسيا القوميّة في تركيا.

وفي هذه اللحظة كان ضابط روسي برتبة كبيرة يكلم طيارين.

الضابط الكبير: مهمتكم سريعة ومحدودة، وهاتين الطائرتين زودناهما بتقنيّة متطورة للتخفّي، وستتوجهون بهما إلى البحر الأسود على الحدود مع تركيا، وهناك في منتصف الليل عند هذه الإحداثيات ستجدون قارباً صغيراً فيه ثلاثة أشخاص وستقومون بإجلائهم.

أحد الطيارين: نعم سيدي الضابط، سننفذ المهمة بأقصى سرعة.

الضابط الكبير: بالتوفيق.



وقبل ذلك بساعات قليلة في مدينة "بسينوب" كان "مظفّر دينيز" يكلّم زوجته لتستعدّ للرحيل.

"مظفر دينيز": "إيسون"، سنرحل عند حلول الظلام نحو البحر الأسود إلى حدود البلاد، وهناك ستأتي طائرة روسية لحملنا إلى روسيا.

"إيسون": لا أعلم لماذا ينتابني منذ الصباح شعور بأنه هناك شيء غير سارّ سيحصل لنا؟!!

"مظفر دينيز": لا داعي للتشاؤم "إيسون" وسيمرّ كلّ شيء بسلام.

"إيسون": وماذا عن الأتراك فقد أغلقوا كل المنافذ علينا؟

"مظفر دينيز": لاتقلقي؛ فرجالي قد أمّنوا لنا طريقاً آمناً، كما قاموا برشوة بعض الجنود على الطريق لتسهيل مرورنا.

فابتهجت "إيسون" وقالت: هذا رائع، حسناً سأذهب لتجهيز الحقائب.

"مظفر دينيز": حسناً.


وحوالي منتصف الليل من نفس الليلة جاء اتصال مستعجل لوزير الدفاع التركي من ضابط المراقبة.

وزير الدفاع: نعم، تكلّم.

الضابط: سيدي لقد اكتشف رادارنا الجديد المتطور طائرتين روسيتين تدخلان حدودنا فوق البحر الأسود؛ واحدة شبحيّة من نوع سوخوي، والأخرى هيليكوبتر حربيّة من نوع "كا 24" متطورة ومدعّمة بتقنية التخفّي.

وزير الدفاع: اللعنة، انتظر لحظة.

فقام وزير الدفاع وكلّم الرئيس التركي.

وزير الدفاع: سيدي الرئيس لقد تكرر الأمر، ورصدنا طائرة من نوع الشبح تقترب من حدودنا، وكان الرئيس التركي مستاء جداً مما وصله من دعم روسيا للأكراد، فأجابه:

لقد بالغوا جداً في الاستهانة بنا، جهزوا الصواريخ وأسقطوهم حالاً إذا اخترقوا حدودنا.. 

وزير الدفاع: تماماً سيدي الرئيس.

فاتصل وزير الدفاع بقائد القوات الجوية "مراد حسن أكين".

وزير الدفاع: قوموا حالاً بإسقاط الطائرتين إذا دخلوا حدودنا، هذا أمر من الرئيس.

قائد القوات الجوية: تمام سيدي.


كانت الطائرتان الروسيتان قد اقتربتا من نقطة الهدف عندما كلّم ربّان إحدى الطائرات رفيقه في الطائرة الأخرى.

قائد الطائرة الشبح: لقد وصلنا إلى الهدف لم يتبقَّ إلا لحظات.

رفيقه بالهيليكوبتر الحربية: حسناً، فلنحمل الهدف ونسرع بالعودة.

وفجأة صرخ: ما هذا؟!!، صاروخان سريعان، لا أدري من أين انطلقا؟!!، ولا نستطيع تفاديهما.

وسُمع دويّ انفجار.

أما رفيقه فقد أطلق مقعده وقفز به قبل ثوان من انفجار طائرته بصاروخ سريع ومفاجئ، وتنفجر بقوة شديدة.

وكان انفجاراً مدوياً تراقصت نيرانه على صفحات مياه البحر الأسود، وكانت عدة عيون ترقب المأساة. 

كان رفيق الطيار يرى طائرة زميله وقد احترقت تماماً، وكانت في الجهة الأخرى عيون مظفر وزوجته وابنه وشخصان آخران جاءا معهم، كانوا كلهم يرقبون مشهد الانفجار، وترقرقت في عيني "إيسون" دمعتان وهي ترى آخر أمل بالنجاة قد تلاشى وانقطع معه آخر وسيلة كان يعتمد عليه "مظفر دينيز" لبلوغ بر الأمان.

بعد ذلك بربع ساعة جاء اتصال من وزير الدفاع الروسي للرئيس الروسي في الكرملين.

الرئيس الروسي: مرحباً، ما هي التطورات؟

وزير الدفاع: سيدي الرئيس، عندي خبر مأساوي.

الرئيس الروسي: نعم إني أسمعك.

وزير الدفاع: لقد قصفت تركيا الطائرتين العسكريتين اللتين بعثناهما لإجلاء الكردي وعائلته وأسقطتهما على حدودها الشمالية فوق البحر الأسود فور عبورهما حدودها، ولم تكن هناك ذريعة لإسقاطهما لأنهم أسقطوا الطائرتين بشكل سريع ودون إنذارهما.

الرئيس الروسي: كيف ذلك؟

وزير الدفاع: لقد اتصل بنا أحد قادة الطائرتين، وطائرته تهوي وقال لنا وهو يصرخ: لقد قصفونا دون إنذار، لقد قتلونا.

الرئيس الروسي: ولماذا لم يستعمل مقعد النجاة؟!

وزير الدفاع: لقد علق بلا شك.

الرئيس الروسي: وماذا عن الطيار الآخر؟

وزير الدفاع: لقد نجا، لكنّ الأتراك متحفّظون عليه.

فزمّ الرئيس الروسي شفتيه، وقال: حسناً، سيكون ردّنا قاسياً.

بعد يومين، وفي الحادي عشر من أبريل 2015 اهتزت أمواج البحر الأسود بانفجار غواصتين هجوميتين تركيتين من طراز "آي واي"، وساد تركيا فزع كبير، وفُرضت حالة استنفار قصوى، وجاء الخبراء وبدأوا بالفحص، وأكدوا بعد الفحص أن انفجار الغواصتين تم ّبصاروخين شديدي الانفجار لم يحدد مصدرهما، لكن كلّ أصابع الاتهام كانت تـشير إلى روسيا، فأعـلنت تركيا حالة استنـفار وعقد "حـلف الأطلسي" جلسة طارئة لبحث الأمر، وبعد مباحثات اجتمع رأيهم بالرد على روسيا بقوة.

وبعد ذلك بساعات كان الرئيس الصيني يكلّم الرئيس الأمريكي.

الرئيس الصيني: مرحباً، لقد وصلت الأمور بين الناتو وروسيا إلى ذروتها والأمور

ستخرج عن السيطرة بشكل كبير.

الرئيس الأمريكي: فعلاً، لقد أصبح الوضع خطيراً.

الرئيس الصيني: يجب التصرف قبل أن نصبح في وضع أسوأ.

الرئيس الأمريكي: اطمئن سأتصرف.


بعد ساعتين من هذه المكالمة كان الرئيس الأمريكي يجري مكالمة بالنرويج مع "ينس ستولتنبرغ" الأمين العام لحلف الناتو.

الرئيس الأمريكي: مرحباً "ينس ستولتنبرغ".

"ينس ستولتنبرغ": مرحباً باراك هل من جديد؟؟

"الرئيس الأمريكي": "ينس ستولتنبرغ" إن الأمور ستأخذ منحى خطيراً. نحن نعلم أن روسيا قد قامت بعدوان كبير على تركيا لكن حرب الناتو معها ستكون مثل حرب تدمّر العالم، وأنتم تعلمون عن الصواريخ البالستية الرهيبة التي يملكها الروس وغواصاتهم "تايفون" و"أكولا" والقائمة طويلة. فتصعيد الأمر مع الروس هو شيء في منتهى الخطورة.

 "ينس ستولتنبرغ": أعلم هذا جيداً، لكن العدوان الذي قامت به روسيا على روسيا عدوان كبير.

الرئيس الأمريكي: سأحاول التسوية بين الطرفين.

"ينس ستولتنبرغ": لك ذلك، إلى اللقاء.



بعد ساعة من هذه المكالمة كان الرئيس الأمريكي يكلًم الرئيس التركي.

الرئيس الأمريكي: مرحباً.

الرئيس التركي: مرحباً.

الرئيس الأمريكي: إن الوضع الدولي قد أصبح متوتراً جداً، وعندي اقتراح لك.

سنطلب من روسيا تسوية مرضية لكم، ما رأيك:

الرئيس التركي: تسوية مثل ماذا؟

الرئيس الأمريكي: سأكلّم الرئيس الروسي وأخبرك.

الرئيس التركي: حسناً.


بعدها بنصف ساعة كان الرئيس الأمريكي يكلّم نظيره الروسي.

الرئيس الأمريكي: مرحباً.

الرئيس الروسي: مرحباً.

الرئيس الأمريكي: إن الأمور أصبحت تنذر بالخطر، وأنتم بتفجيركم غواصتين تركيتين قد أشعلتم فتيلاً سيشعل ناراً كبرى تحرق العالم.

الرئيس الروسي: لكنّ تركيا هي من بدأت العدوان.

الرئيس الأمريكي: هي لم تعتدي عليكم؛ فطائراتكم هي من دخلت حدودها الجوية.

الرئيس الروسي: هذا شيء أصبح متأخراً الآن.

الرئيس الأمريكي: فعلاً للأسف، لكنني أطلب منك بشكل شخصي أن تقدّم تسوية لتركيا حتى نتفادى الخطر المقبل.

الرئيس الروسي: مثل ماذا؟

الرئيس الأمريكي: أن تعوّضوا لتركيا بغواصتين واعتذار لها.

فكر الرئيس الروسي لبعض الوقت وأجابه: هذا عرض مرفوض، ولكن إذا كانت

غواصة واحدة فقد أفكر في الأمر.

الرئيس الأمريكي: ما رأيك إذا ساعدتك أمريكا بغواصة.

الرئيس الروسي: طبعاً سيكون عرضاً منصفاً.

باراك أوباما: حسناً إليك الطريقة. ستعطيك أمريكا غواصة لكن بصفة سرية وتضيفها إلى غواصتكم وتعوّض بها الأتراك خسارتهم، وقد كانت الأقدار رحيمة بنا أن الغواصتين كانتا في طور الصيانة وخاليتين من الطاقم.

ثم أردف الرئيس الأمريكي: إذن اتفقنا.

الرئيس الروسي: اتفقنا.



وفي الجزء الشرقي من قارة آسيا كان الرئيس الصيني يكلّم نظيره التركي.

الرئيس الصيني: ألو، مرحباً، كيف حالكم؟؟

الرئيس التركي: نحن هنا بخير، أشكرك.

الرئيس الصيني: لقد انزعجنا جداً مما حصل من تفجير غواصتيكم، لكن انزعاجنا كان كبيراً بخصوص التصعيد الذي حصل؛ فحرب الناتو مع روسيا ضرب من الجنون.

الرئيس التركي: لكن ما قام به الروس بلغ منتهى العدوان على سيادتنا.

الرئيس الصيني: إن ما قام به الروس فعلاً شيء مشين جداً، لكن المواجهة معهم ستمضي بالعالم لحرب كبرى ومدمرة.

لقد تكلمت مع الرئيس الأمريكي وسيقوم الروس بتعويضكم.

الرئيس التركي: لقد كلمني الرئيس الروسي منذ ساعات بهذا الشأن.

الرئيس الصيني: نعم أعلم، سيعوضونكم بغواصتين بالإضافة إلى اعتذار رسمي لكم.

الرئيس التركي: لكن هكذا سيتمادون علينا مرة أخرى.

الرئيس الصيني: أعدك بأنهم لن يكرروها معكم مرة أخرى، كما أنني سأقدم لك شيئاً مهماً.

الرئيس التركي: مثل ماذا؟

الرئيس الصيني: قائمة بأسماء العملاء الروس النشيطين في بلادكم.

الرئيس التركي: حسناً، هذا جيد وأشكركم أنت والرئيس الأمريكي على مساعيكم النبيلة.

الرئيس الصيني: على الرحب دائماً، طاب مساؤكم.

الرئيس التركي: طاب مساؤكم.

وبالعودة إلى التطورات في واشنطن، وفي الأسبوع الثالث من شهر أبريل رنّ هاتف

نيكولاس فأجاب: مرحباً موشي، ما الجديد؟

موشي: شاهد الأخبار الآن على القناة السابعة.

نيكولاس: حسناً.

وبعد دقائق تكلّم نيكولاس: رأيت الخبر عن مقتل رجل الكونغرس لكن التفاصيل حول الجريمة أذهلتني. تعال حالاً لأفهم منك ما الذي جرى.

موشي: أنا قادم حالاً سيدي.

بعد نصف ساعة كان موشي بعمارة نيكولاس الفاخرة يدقّ باب شقته الذي فتحه له بنفسه وأدخله بسرعة ومضى به إلى مكتبه وأغلقه وبادر موشي:

هيا أخبرني بسرعة فإني منذهل مما سمعت في الأخبار.

فابتسم موشي وقال:

لقد تخلصنا من الوغد الأمريكي، ومن أعدائنا أيضاً بضربة واحدة. أنت تعلم أن كثيراً من أعضاء الكونغرس نتجسس عليهم، ونعرف كلّ شيء عن ظروف حياتهم. 

وبالنسبة لجاك فقد علمنا منذ فترة أنه ليس على وفاق مع زوجته، فهي تكرهه بشدة وأرادت الطلاق، ورفض لأنه يعلم أنها على علاقة مع طالب جامعي من أصول مكسيكية، كما أن زوجته مبذرة جداً وصاحبة مصلحة، وكنا منذ فترة قد بعثنا إليها بعميلة لنا وأصبحت صديقتها المقرّبة، ومنذ أسبوع لمّحت لها عميلتنا بأنه يمكن التخلص من زوجها وتتزوج عشيقها الجديد، وفي نفس الوقت ستحصل على إرث زوجها ومكافأة كبيرة منا، فاقتنعت بسرعة كبيرة بل طلبت منّا الإسراع في تنفيذ العملية. والبارحة هي من قامت بإدخال عميلنا القاتل؛ الإيطالي المحترف إلى منزل زوجها جاك، وبعد أن نفذ المهمة أخبرناها أن تقول للمحققين بأنها كانت نائمة وجاء شخص لزيارة زوجها، وبعد فترة ارتفع صوتهما، وزوجها بدأ يقول: لقد اتفقت مع عميلكم على ضعف المبلغ، فملفّكم الإيراني قد بلغ مرحلة مهمّة بفضلنا.

وبعد ذلك أصبح الصوت خافتاً ثم سمعت صوت شجار وصوت طلقة مكتومة، وبعدها سمعت شخصاً يسرع ويفتح الباب ويخرج، فذهبت مرعوبة إلى غرفة مكتب زوجها فوجدته ملقى على الأرض مضرجاً بدمائه. فلمّا استفاقت من الصدمة كلّمت الشرطة.

وانتهى التحقيق حسب أقوالها بأن الأمر هو جريمة سياسية، واتجهت أصابع الاتهام إلى الإيرانيين، وهذا سبب قوي حتى يغير الكونغرس من دعمه لملفّهم بصفة نهائية، ونكون قد تخلصنا من جاك والعدو الإيراني بضربة واحدة.

فصفّق نيكولاس بقوة، وقال له: فعلاً موشي، أنت ثعلب ماكر جداً، وقد أثبتّ أنك أهل لمنصبك الجديد، فاستبشر خيراً.

فقال موشي: أنتم تعلمون أن المناصب لا تهمّني بقدر ما يهمّني خدمة دولتنا السامية.

نيكولاس: بوركت موشي، وهذا ظننا بك.

فلنشرب نخباً على صحّة النصر.

موشي: فلنشرب سيدي.


تم عمل هذا الموقع بواسطة